الطبيب جوزف ليستر - رائد التعقيم الطبي

الطبيب جوزف ليستر - رائد التعقيم الطبي
الطبيب جوزف ليستر - رائد التعقيم الطبي



إن التعقيم من ضرورات الطب وخصوصا العمليات الجراحية، وجميع الناس يعلمون ذلك، وما في هذا العصر من إنسان يجري عملية إلا بعد تعقيم المكان والأيادي والأدوات الجراحية، وغياب التعقيم معلوم أثره وخطره، فكم من إنسان مات بسبب ضعف التعقيم أو غيابه كما في حالات العلاج بالطب الشعبي، ولكن من أين أتت فكرة التعقيم وعدم الاكتفاء بالتنظيف العادي؟ لمعرفة ذلك علينا معرفة قصة هذا الطبيب الإنجليزي الذي بدأ فكرة التعقيم الطبي، ألا وهو جوزف ليستر، واحد من عظماء الطب الحديث.


حياته وتعليمه الأساسي


ولد جوزف ليستر (Joseph Lister) في مدينة أبتون الواقعة في إنجلترا في 5 من إبريل سنة 1827م، وكان الابن الثاني للزوجين جوزيف جاكسون ليستر، وإيزابيلا هاريس، كان أبوه تاجر خمور وفيزيائي وعالم مجهر (physicist and microscopist)، كما أن أباه حصل على زمالة الجمعية الملكية لاكتشافه الذي كان سببا في صناعة المجهر اللوني الحديث (غير المشوه للألوان).

كان لأبويه فضل ودور في تعليمه، فعلمه أبوه التاريخ الطبيعي واستخدام المجهر، أما تعليمه الأساسي فكان في مؤسسة من مؤسسات كويكر، التي كانت تهتم بالطبيعة والعلوم أكثر من المدارس الأخرى، أعجب جوزف بالعلم التشريح المقارن وقرر أن يتوجه إلى دراسة الجراحة، وكان يومئذ لم يتمَّ عامه السادس عشر.

تعليمه الجامعي وبداية حياته المهنية


طالبت جامعة لندن منذ عام 1837م أن على من يريد الالتحاق بكلية الطب أن يدرس الآداب أولا ويحصل على البكالريوس فيها، فدرس جوزف ليستر الآداب وحصل على البكالريوس فيها، ثم التحق بكلية الطب في أكتوبر عام 1848م، وكان طالبا عبقريا وأتم دراسة البكالرويس عام 1848م، وحصل في نفس العام على زمالة الكلية الملكية للجراحين وصار جراحا في مستشفى الكلية الجامعية، وصار بعدها مساعدا لجيمس سيم، أكبر مدرس جراحة يومئذ، وفي عام 1856م عُيّن جراحا في مستشفى إدنبرة الملكي، وتزوج بعدها من ابنة مدرسه جيمس سيم، كان زواجهما سعيدا رغم أنهما لم يرزقا بأطفال.

بعد 3 سنوات، انتخب جوزف ليستر أستاذا للجراحة في جامعة جلاسكو، وفي أغسطس 1861م عُيّن جراحًا في مستشفى غلاسكو الملكي، فكان مسئولا عن أجنحة القسم الجراحي الجديد.

عمله في التعقيم الطبي

في مستشفى جلاسكو الملكي، كان المديرون عندهم أمل أن يقل مرض المستشفى (عُرف بعد ذلك باسم الإنتان الجراحي operative sepsis) بشكل كبير بعد بناء المستشفى الجديد، إلا أن أملهم كان سرابا، فقد أفاد ليستر أن في جناح حوادث الذكور، توفي ما بين 45% و50% من حالات بتر الأطراف بسبب ذلك المرض (الإنتان) بين سنتي 1861م و1865م.

بدأ جوزف ليستر تجاربه في هذا الجناح لمحاولة إيجاد حل لهذا المرض، وأجرى تجارب كثيرة باءت بالفشل، شكل جوزف أثناء ذلك نظريات لتفسير المرض، تجاهل فيها المفهوم المنتشر عن العدوى بالهواء الفاسد، افترض جوزف أن الإنتان ناجم عن غبار يشبه حبوب اللقاح، ولم يذكر أن تلك الحبوب مادة حية،  لكنه اقترب في نظريته من الحقيقة. ويتعجب الناس من أن جوزف لم يتعرف على أعمال عالم البكتيريا لويس باستور المتعلقة بنظرية جرثومية العدوى إلا في عام 1865م، حيث قرأ له بحثا وعرف منه النظرية، وتقول النظرية إن الكائنات الحية الدقيقة تسبب التخمر والمرض.

ملحوظة: الطبيب العثماني المسلم آق شمس الدين هو أول من أشار إلى وجود الميكروبات قبل ظهور المجهر، وكان ذلك في القرن الخامس عشر الميلادي، ووضع لها تعريفا جاء فيه: "من الخطأ تصور أن الأمراض تظهر على الأشخاص من تلقاء نفسها، فالأمراض تنتقل من شخص لآخر بالعدوى، هذه العدوى صغيرة ودقيقة إلى درجة العجز عن رؤيتها بالعين المجردة، لكن هذا ما يحدث بواسطة بذور حيّة"، ويعد آق شمس الدين بذلك سابقا للويس باستور بأربعة قرون كاملة، لكنّ الفارق كان أن للويس باستور أدوات كالمجهر تساعده على التوصل إلى نظريته وإثبات صحتها أمام المجتمع العلمي ودعمها بالدليل، يمكنكم قراءة مقالنا عن آق شمس الدين من هنا

تقبل جوزف نظرية لويس باستور بحكم تعليمه وخبرته، وظن أن الجراثيم تنتقل بشكل أساسي عن طريق الهواء، وبدأ في وضع أسس التعقيم الطبي، فحاول منع تلوث غرفة العمليات بالهواء ومنع تلوث الجرح عن طريق تعقيم أيدي الجراحين والأدوات الجراحية، ووجد مادة فعالة للتعقيم وهي حمض الكربوليك، وقد كان ذلك الحمض يستخدم لتنظيف المجاري كريهة الرائحة، واستخدم ليستر طريقته الجديدة لأول مرة في 12 أغسطس 1865م، وكانت النتائج ممتازة، فبين عامي 1865م و1869م، انخفض معدل الوفيات الجراحية من 45% إلى 15% في جناح حوادث الذكور، وفي عام 1869م، خلف جوزف ليستر أستاذه جيمس سايم في كرسي الجراحة السريرية في إدنبرة.

لم تحظَ نظرية جوزف بسرعة القبول في مجتمع الجراحين، فكان الكثير منهم يشكك في نتائج نظريته الجديدة، وكانوا يطلبون دليلا قويا على أهمية التعقيم في الطب، وجاءت فرصة ليستر عام 1877م حين تولى منصب رئيس قسم الجراحة السريرية في كلية كينجز، ففي 26 أكتوبر 1877م، أجرى ليستر لأول مرة في تلك المستشفى، العملية الثورية لعلاج الرضفة المكسورة في مفصل الركبة، وكانت تلك العملية تؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث العدوى العامة والوفاة، ولكن عمليته نجحت بامتياز، وأجبر ذلك النجاح الكامل للعملية التي أجريت في ظل ظروف مطهرة الرأي الجراحي في جميع أنحاء العالم على قبول طريقته، والإقرار بأنها قد أضافت الكثير إلى سلامة الجراحة.

اعتزاله ووفاته

اعتزل جوزف ليستر ممارسة الجراحة بعد وفاة زوجته عام 1893م، وحصل على كثير من الألقاب كلقب البارون، فكان بارون ليستر عام 1897م، كان متواضعا ويعتقد أن ما توصل إليه كان من توفيق الله، فقد كان مسيحيا (نصرانيا) متدينا، لم يكن يهتم بالمال ولا بالشهرة، وكان في آخر حياته شبه أعمى وأصم، توفي عام 1912م بعد أن أحدث ثورة طبية عظيمة، أنقذت ملايين الحيوات، ولا زال أثرها قائما إلى الآن.

جوزف ليستر
جوزف ليستر

من مقولاته

"إذا لم يغتنم الرجل الفرص التي تتاح له، فماذا يفعل إذا، أو ما الذي يفيده؟"


المصادر

  1. britannica
  2. Brainy Quote
  3. كتاب العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط لمحمد علي الصلابي

يوسف صلاح الدين
بواسطة : يوسف صلاح الدين
طالب مصري في كلية الطب في كلية الطب جامعة الإسكندرية وكاتب مقالات على موقع الطبيب العربي
تعليقات