أبو القاسم الزهراوي أبو الجراحة الحديثة

 

أبو القاسم الزهراوي أبو الجراحة الحديثة
أبو القاسم الزهراوي أبو الجراحة الحديثة


"بلا شك هو رئيس كل الجراحين"

المؤرخ بيترو أرغالاتا


أبو القَاسِم خَلَف بن عَبَّاس الزَّهْرَاوِيّ المعروف في الغرب باسم (Abualcasis) طبيب عربي مسلم عاش في قرطبة الأندلس حيث كانت إنجازاته، يُعد أعظم الجراحين الذين ظهروا في العالم الإسلامي، ووصف بأبي الجراحة الحديثة، ألف كتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف" في الطب والصيدلة والذي ظل مرجعًا في الطب لقرون.


ولد الزهراوي في مدينة الزهراء عام 325 من الهجرة، وترجع أصوله إلى الأنصار -عليهم رضوان الله- . عاش الزهراوي في قرطبة عاصمة العلم في ذلك الوقت، وفيها درس وعلّم ومارس الطب والجراحة.


قال عنه ابن حزم في رسائله "وكتاب التصريف [لمن عجز عن التأليف] لأبي القاسم خلف ابن عباس الزهراوي، وقد أدركناه وشاهدناه، ولئن قلنا إنه لم يؤلف في الطب أجمع منه ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع، لنصدقن."


وقال عنه الطبيب المؤرخ ابن أبي أصيبعة: "كان طبيبا فاضلا خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج، وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب، وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي، ولخلف بن عباس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه".


ووصفه غوستاف لوبون بقوله عنه إنه: "أشهر جراحي العرب، ووصف عملية سحق الحصاة في المثانة على الخصوص، فحسبت من اختراعات العصر الحاضر دون حق".


لم يكن الزهراوي من أهل المعاصي ،بل كان مسلمًا ملتزمًا، وقد أثنى عليه الحميدي في كتابه "جذوة المقتبس في ذكر علماء الأندلس"، الذي كتبه بعد 60 عامًا من وفاة الزهراوي حيث قال عنه أنه: "من أهل الفضل والدين والعلم".


تخصص الزهراوي في الكي والجراحة وله كثير من الأعمال في هذا الأمر حيث اخترع كثيرًا من أدوات الجراحة والتي ظل منها ما يستخدم إلى الآن، فاخترع آلة دقيقة لمعالجة انسداد فتحة البول الخارجية عند الأطفال حديثي الولادة؛ لتسهيل مرور البول، وكان أول من استخدم القطن لوقف النزيف و صنع اللاصق الطبي.


هو أول من وصف عملية القسطرة، وصاحب فكرتها والمبتكر لأدواتها، وقد أجرى عمليات صعبة في شق القصبة الهوائية، وكان الأطباء قبله مثل ابن سينا والرازي، قد أحجموا عن إجرائها لخطورتها.


كان الزهراوي أول من وصف طريقة ربط الأوعية الدموية بخيوط الحرير لإيقاف النزيف، وبذلك قد سبق باري بحوالي 600 سنة، وقد استخدم أيضا خيوطا من أمعاء القطط في الجراحات الداخلية، حيث أنها من المواد التي تتحلل فلا يرفضها الجسم البشري، وكان أول من استخدم خطافات مزدوجة في العمليات الجراحية، كما أنه أول من مارس التخييط الداخلي بأبرتين وبخيط واحد مثبت فيهما.


وصف الزهراوي كلاً من الحقنة العادية، والحقنة الشرجية، والملاعق الخاصة لخفض اللسان، وفحص الفم، ومقصلة اللوزتين ، والجفت وكلاليب خلع الأسنان، ومناشير العظام والمكاوي والمشارط على اختلاف أنواعها، وكان أول من يصف الحمل المنتبذ، كما أنه اكتشف الطبيعة الوراثية لمرض الناعور، واستطاع إزالة الدم من تجويف الصدر ،ومن كل الجروح الغائرة بشكل عام.


لم يكن الزهراوي بارزًا في علم الطب وحده، بل برز أيضًا في علم الصيدلة، حيث كان رائدًا في تحضير الأدوية باستخدام التسامي والتقطير، وقد ترجم كتابه إلى اللاتينية تحت اسم "Liber Servitoris"، وكان له أهمية خاصة حيث وضح الزهراوي بالوصفات والشرح كيفية تحضير عينات من العقاقير المركبة، وكان خبيرًا في الأدوية المفردة والمركبة.


كان كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف" حصيلة خبرة طبية امتدت ل 50 عامًا من الاشتغال بالطب، وهو من 30 مجلدًا وقد احتوى على وصف تشريحي وتصنيف لأعراض حوالي 325 مرض وعلاجاتها، بالإضافة إلى الجوانب الطبية المتعلقة بالجراحة والصيدلة، وطب الأسنان وغيرهم، ففي الجراحة وضع صورا توضحية لآلات الجراحة التي صنعها، ووصف الأدوات وطريقة استعمالها، ووصف في الكتاب طريقة لعلاج خلع الكتف، وتلك الطريقة نُسبت بعد ذلك إلى كوخر، ووصف وضعية للولادة نسبت بعد ذلك إلى والشر.

كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف
كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف



كان كتابه "التصريف لم عجز عن التأليف" مصدر المعرفة الطبية بأوروبا، وظل يستعمل لخمسة قرون فيها، وكان ، واستخدمه الأطباء والجراحون مرجعًا لهم، وظل الكتاب متداولا ويعاد طبعه حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ووضعت آلات الجراحة الموصوفة فيه حجر الأساس للجراحة في أوربا.


اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته ووفاته، وعلى الأرجح توفي -رحمه الله-  سنة 404 من الهجرة، تاركا وراءه موسوعة طبية استفادت منها البشرية لقرون وما زالت آثارها موجودة إلى يومنا هذا.



يوسف صلاح الدين
بواسطة : يوسف صلاح الدين
طالب مصري في كلية الطب في كلية الطب جامعة الإسكندرية وكاتب مقالات على موقع الطبيب العربي
تعليقات