عمار الموصلي رائد طب العيون

عمار الموصلي رائد طب العيون

"إن عماراً الموصلي من الأوائل، إن لم يكن الأول الذي أبدع في قدح العين (الكتراكت)"

المستشرقان مايرهوف وهيرشبورج

أبو القاسم عمار بن علي الموصلي طبيب عربي مسلم تخصص في الرمد وطب العيون فيما كان يعرف وقتها بالكحالة، قدم إنجازات عظيمة في هذا الشأن حتى ترجمت كتبه إلى عدة لغات وظلت مرجعا في طب العيون لقرون.

ولد عمار الموصلي في الموصل، وفيها تلقى تعليمه الأولي حيث مال إلى طب العيون ومارسه واختص به من دون علوم الطب الأخرى لكنه لم يستقر هناك حيث سافر في طلب العلم إلى كثير من البلاد.

كانت أول رحلاته إلى خراسان، وعمل فيها، ثم شد رحاله إلى ديار بكر، ثم الكوفة، ومنها إلى الشام، ثم إلى مكة والمدينة المنورة، وكان في كل مكان يذهب إليه يمارس فيه طب العيون ويعمل في البيمرستانات ويلتقى بالأطباء والكحالين، وكان يدرس أمراض العيون المنتشرة في كل منطقة ويبحث عن أسباب انتشارها في هذه الأقطار. كانت آخر رحلاته إلى مصر، وفيها استقر إلى وفاته -رحمه الله-.

اكتسب عمار الموصلي شهرة واسعة في كل البلاد التي زارها، وكان يقوم في المدن التي يزورها بعمليات جراحية لم يسبق إليها، وكان يصحبه طلابه في تلك العمليات حيث كان يشرح لهم الجراحات وكيف يتصرفون في المعضلات التي قد تواجههم أثناء عملهم، وكان يسجل كل ما يحدث أثناء عمله من حوادث ومفاجآت بدقة.

اخترع وصمم المقدح الأجوف لشفط السَّاد الطَّريِّ المعروف الآن بالمياه البيضاء، وجعله على شكل إبرة مجوفة لا يشكّل استعمالها في عملية (الكتراكت) خطرا على العين، وهو مختلف وأفضل بكثير من المقدح الذي استعمله الطبيب اليوناني أنطليوس، حيث كان مقدح عمار الموصلي مصنوعا من النحاس عكس مقدح أنطليوس الذي كان مصنوعا من الزجاج. وهذه العملية ما زالت تمارس إلى اليوم

يقول عمر فروخ في كتابه "تاريخ العلوم": "إن الموصلي ذكر في كتابه «المنتخب في علاج أمراض العين» ست طرق ـ عمليات ـ لقدح الماء إحداها بالمص".

قام الموصلي بعمليات جراحية كبرى نادرة الوقوع، قل من مارسها قبله أو بعده قبل القرن 19م، وذلك على باطن العين، واحتفظ المريض بعد إجرائها بقدرته على الإبصار في عينيه.

كان الموصلي أول من اخترع طريقة معالجة غطش البصر الناتج من الإصابة بالحول عند الأطفال، وذلك بتغطية العين السليمة وسبق بذلك الأطباء في أوروبا وغيرها.

ألحقه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بحاشيته منذ مجيئه إلى مصر، وجعله طبيبه الخاص، وصار من المقربين إليه، وأمره بتأليف كتاب يجمع فيه حصيلة خبرته في الطب فقام بتأليف كتاب "المنتخب في علاج أمراض العين" ويتألف من واحد وعشرين فصلاً في مداواة علل العين بالأدوية أو بالحديد ـ الآلات الجراحية ـ وإجراء عمليات جراحية لها، وقد تضمَّن تجارب وممارسات ووصفا للعمليات التي أجراها بدقة، وتضمَّن الكتاب أفكاراً لم يسبقه إليها الكحَّالون العرب المتقدمون وأطباء العين اليونان.

ذكر الموصلي في هذا الكتاب أيضًا واحدًا وخمسين مرضًا من أمراض العين مع وصف سريري لعلامات كل مرض، ثم أَتبع ذلك بذكر طرق مداواتها بالمعالجة بالدواء أو بالعمليات الجراحية، متَّبعاً في هذا العرض منهجاً علمياً دقيقاً واضحاً سار عليه في مراحل التأليف كلها

لم يعرف تاريخ وفاته -رحمه الله- إلا أنه يعتقد أنه توفي في القاهرة، وقد نقل عنه كثير من الأطباء بعده في كتبهم مثل محمد بن قسوم بن أسلم الغافقي، وصلاح الدين بن يوسف الكحال الحموي، وتمت ترجمة كتابه "المنتخب في علاج أمراض العين" للغة اللاتينية ونقل إلى أوروبا ليدرس هناك.