الطبيب المسلم عبد الملك بن زهر أحد أعظم أطباء التاريخ

الطبيب المسلم عبد الملك بن زهر أحد أعظم أطباء التاريخ
الطبيب المسلم عبد الملك بن زهر أحد أعظم أطباء التاريخ


"إنه أعظم الأطباء منذ عهد جالينوس"

ابن رشد يتحدث عن ابن زهر

 

هو أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زُهر، ولد بإشبيلية في أواخر القرن الخامس الهجري تلقى علوم الأدب والفقه والشريعة وبلغ فيها منزلة عالية، ثم علّمه أبوه الطب، فقد اشتهرت عائلته بالطب لستة أجيال متتالية، ولم يمر وقت طويل حتى تجاوز أباه في الطب وفاقه في كثير من مسائله الدقيقة.


عاصر ابن زهر دولة المرابطين، ودولة الموحّدين، وعمل معهم وكانت له مكانة رفيعة لدى حكام الموحدين، وبقي إلى أيام حكم عبد الله الناصر بن المنصور يعقوب الموحدي.


خدم ابن زهر الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، ونال مكانة عالية لديه وألف له كتابًا عن "الأغذية"، كما ألف كتبًا أخرى أهمها كتاب "التيسير في المداواة والتدبير".


كان ابن زهر صديقا للعالم المشهور ابن رشد، وكان ابن رشد يقدر ابن زهر ويكثر من مدحه في مجالسه حتى أنه كان يقول فيه: "إنه أعظم الأطباء منذ عهد جالينوس".

 

نجح ابن زهر في علاج "شلل البلعوم" (Pharyngoplegia)  بثلاث طرق مختلفة استعملها الأطباء من بعده، ومنها تغذية المصاب صناعيًّا بأنبوب من الفضة ينقل الغذاء من البلعوم إلى المعدة.

 

كان ابن زهر من أوائل الأطباء الذين وصفوا خراج الحيزوم، والتهاب غشاء القلب اليابس والانسكابي، واستطاع التمييز بينه وبين التهاب غشاء الرئة.

 

وكان أيضا رائدًا في مجال التخدير، حيث كان يخدر مرضاه بطريقة الاستنشاق بالإسفنج المنوّم؛ وهو إسفنج طبيعي يغمر في مزيج من المواد المنوّمة والمواد العطرية كالأفيون والسيكران والزوان والشيلم، ثم يجفف ويحفظ، وعند الاستعمال يبلل بالماء فيصبح مشبعًا بالمحلول المخدر، ويستخدم في التخدير بوضعه على أنف وفم المريض أثناء الجراحة.

 

اهتم ابن زهر بالأمراض الرئوية، وأجرى عملية القصبة المؤدية إلى الرئة، وكان ابن زهر يجري التجارب على الحيوانات قبل تنفيذها على البشر فكان يجري عمليات القصبة الهوائية على الماعز لضمان سلامة إجرائها على البشر، وتمكن هو بعد ذلك من تشريح القصبة في مرض الذبحة، واستعمل أنبوبة مجوفة من القصدير لتغذية المصابين بعسر البلع، واستعمل الحقن المغذية، واكتشف طفيلية الجرب وسماها "صؤابة".

 

كان ابن زهر طبيبا تميزت قدراته بالندرة والتميز، وكان قوي الملاحظة في الطب، فقد كان يستطيع أحيانا معرفة آلام المرضى دون أن يسألهم عن أوجاعهم، إذ كان يقتصر أحيانًا على فحص أحداق عيونهم، أو على جس نبضهم، أو على النظر إلى قواريرهم (قناني البول)، وهذه الأشياء يصفها الأطباء الآن بالعلامات الحيوية (vital signs).

 

لم يكن ابن زهر مقلدا للسابقين، بل كان يتميز بالإبداع وتصحيح الأخطاء، حتى أنه أعاد تركيب دواء مركب كان والده قد ركّبه للملك، وأمر الوالد بصحة تركيبه.

 

ذكر المؤرخ والطبيب ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" أن ابن زهر ألف سبعة كتب، لكن لم يصلنا منها سوى ثلاثة. ويعد "كتاب التيسير في المداواة والتدبير" أشهر كتب ابن زهر وهو موسوعة طبية، وقد أهداه لصديقه ابن رشد الذي ألف فيما بعد "كتاب الكليات في الطب"، فكان كل من الكتابين يتمم الآخر. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في البندقية عام 1490م ثم في ليدن عام 1531م، وكان له أثر كبير على الطب الأوروبي حتى القرن السابع عشر.

 

وكان الكتاب يتألف من ثلاثة أقسام، في كل قسم عدد من الرسائل، تختص كل رسالة منها بعدد من الأمراض، عالج فيه ابن زهر مختلف الأمراض الباطنية والجلدية بالإضافة إلى الجراحة. فقد بحث فيه قروح الرأس وأمراضه وما يعرض له من الخراجات، وأمراض الأذنين والأنف والفم والشفاه والأسنان والعيون، وأمراض الرقبة والرئة والقلب والنقرس، والحميات والأمراض الوبائية.

 

كما ألف ابن زهر "كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد"، وهو خلاصة للأمراض والأدوية وعلم حفظ الصحة والطب النفسي. ولا يوجد من هذا الكتاب سوى مخطوطتين إحداهما في المكتبة الوطنية بباريس، والثانية تملكها مكتبة الإسكوريال بإسبانيا.

 

وألف أيضا "كتاب الأغذية والأدوية"، الذي يصف فيه مختلف أنواع الأغذية والعقاقير وآثارها على الصحة، وقد ترجم إلى اللاتينية.

 

أما الكتب التي ضاعت فهي: كتاب الزينة، ومقالة في علل الكلى، وتذكرة في أمر الدواء المسهل، ورسالة في علتي البرص والبهق.

 

كانت له مقولات شهيرة منها:

 

"من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانا بالله".

 

كما قال: "إن التجربة إما أن تصدق قولي حيا كنت أو ميتا وإما أن تكذبه".

 

يقول ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء عن أبي مروان ابن زهر إنه "كان جيد الاستقصاء في الأدوية المفردة والمركبة، حسن المعالجة، قد ذاع ذكره في الأندلس وفي غيرها من البلاد، واشتغل الأطباء بمصنفاته، ولم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب".

 

إشبيلية الأندلستوفي عبد الملك بن زهر في إشبيلية حوالي عام 557هـ وتقول الروايات أنه توفيَ نتيجة معاناته من خرّاجٍ خبيث، وقد ترك ابنا وبنتا طبيبين أيضا، توفي بعدما صنع فارقا كبيرا في تاريخ الطب، فرحمة الله عليه وعلى عائلة بن زهر كلها.

 

المصادر:


موقع قصة الإسلام: ابن زهر .. الطبيب الإكلينكي ورائد علم الأورام

موقع أراجيك

موقع الجزيرة


يوسف صلاح الدين
بواسطة : يوسف صلاح الدين
طالب مصري في كلية الطب في كلية الطب جامعة الإسكندرية وكاتب مقالات على موقع الطبيب العربي
تعليقات